ماذنب فاطمة» يسلط الضوء على مشاهد العنف الجسدي المسيئة للذوق العام والمهين للمرأة
من أقسى ما تتعرّض له المرأة ويَمتهن كرامتها ويشعرها بالاهانة الكبيرة هو تَعَرّضها للاغتصاب...هذه الجريمة التي يأباها ويحرّمها كل شرع وتشريع ودين بالاضافة لِما تُخَلّفه هذه الجريمة من رواسب نفسية قد تصحب الفتاة أو المرأة حياتها كلها كما حدث مع بطلة مسلسل هذا الأسبوع (فاطمة غول) التي تلعب دوره (بيرين سات) – سمر العشق الممنوع-....في العمل الذي أثار جدلاً واسعاً في تركيا..(ماذنب فاطمة؟) عملٌ طرح فكرة الاغتصاب وما يترتّب عليها من آثار بالاضافة الى أنه أراد ان يثير ويناقش بعض ثغرات القانون التركي في قضية الاغتصاب بالذات..وذلك من خلال قصة فتاة يتيمة في عمر الزهور(فاطمة غول)تعيش في منطقة (الدير) التابعة لازمير حيث تقيم مع أخيها (رحمي) وزوجته (مقدس) وابنهما الصغير (مراد) وكانت مخطوبة لشاب تحبه بجنون (مصطفى) وقد تصادف ان حصل حفلة خطوبة ابن أحد الأثرياء الذي يملك مزرعة في تلك المنطقة وهو(رشاد يشاران) هذا الثري الذي خطب لابنه الوحيد(سليم) ابنة أحد السياسيين(ملتم) فيجتمع في هذا الحفل أصدقاء سليم (فورال) و(كريم) – بطلنا آنجين آكيوريك- و(آردوغان يشاران)ابن عم سليم وكانوا قد أكثروا من المسكرات حتى ثملوا تماماً وبعد الحفلة خرجوا للشاطئ ليكملوا لهوهم...واذ بفاطمة غول تمر أمامهم..فأرادوا معاكستها على سبيل المزاح واللهو فأخذوا بمطاردتها وكان أول مَن أمسكها هو كريم الذي كان معجباً من زمان...ولكن الشيطان الذي اقترح فكرة اغتصابها كان (أردوغان) والمسكينة ضعيفة بين براثنهم تصرخ وتستغيث...ولكن كريم كان هو الوحيد بينهم الذي لم يقربها وكان يستنكر ما يفعله أصدقاؤه بما فيهم الخاطب الجديد...فأتموا جريمتهم وهربوا...تاركين وراءهم الفتاة المسكينة مغمى عليها لشدة ما عانَتْ...
مأساة فاطمة
في هذا الوقت عَثَرَتْ عليها (مريم) أثناء تجوالها فسمعَتْ أنينها...(مريم هي مَنْ ربّى كريم بعد هجرأبيه لأمه وموت أمه) بعدها...علِمَتْ القرية كلها بقصة(فاطمة) وعرفوا ما حَلّ بها من مصيبة وتخلّى عنها خطيبها...رغم علمهم جميعاً بأن فاطمة لا ذنب لها بكل ما جرى..فكانت صدمتها صدمتين..صدمة الاغتصاب وصدمتها بخطيبها الذي خيّب أملها ودمر مستقبلها كله..وحين علِمَ آل يشاران بما فعله أولادهم حاولوا مداراة الفضيحة بشتى الأساليب والطرق..حتى لايعلم أهل ملتم ولايفتضح أمرهم خصوصاً أمام نسيبهم السياسي وفي تركيل كلها وذلك بسبب موقع عائلتهم الحساس والمعروف..ورغم ماأشيع وكُتِبَ عنهم في الصحف الا أنهم نفوا كل ما قيل...وذلك بما قاموا به من التفاف وتحايل على القانون اذ أقنعوا كريم (البريء الوحيد فيهم) أقنعوه بأن يتزوج فاطمة غول وأغروه بالمال وكذلك اتفقوا مع(مقدس) زوجة أخ فاطمة بأن تقنع فاطمة بهذا الزواج وأعطوها كذلك مبلغاً محترماً من المال..على ان يغادروا القرية بعد الزواج للاقامة باسطنبول فلم تجد (فاطمة غول)بُدّاً من هذا الزواج على الرغم من كرهها وحقدها الشديدين على كريم وأصدقائه وظنّها بأنه كان شريكاً لهم بفعلتهم وعدم اقتناعها بأنه لم يلمسها ورغم اعجاب كريم القديم بفاطمة الا أنه لم يستطع ان يستميلها اليه أبداً...لِما كان للحادث من أثر في نفسها...لقد كرِهَت هذه الفتاة نفسها وحياتها وكل ما حولها وباتَتْ معقدّة نفسياً وتتعامل مع الجميع بعدوانية ووحشية لانظير لها وخصوصاً مع كريم الذي تعدّه العدو الأول لها الجاثم أمامها طوال الوقت والذي فُرِضَ عليها وأمراً واقعاً..ولكن كريم قدّر ما تمر به فاطمة وكان يتحاشى كل ما يضايقها لشدة حبه لها بالرغم ما تبديه له من كره ولكن كريم لم ييأس وظل يحاول وبشتى الطرق ليجعل فاطمة تحبه وتصدق بأنه لم يمسها بسوء...فهل ستقتنع فاطمة وتصدق ما يقوله كريم؟؟..وهل ستبدأ بالميل نحوه وتحبه بمرور الأيام وبعد كل ما عانَتْ؟؟...هذا ملخص صغير لقصة هذا المسلسل الرائع والذي أعتقد أنه سوف ينال اعجاب المشاهدين العرب حين يُعرَضُ على الشاشات العربية قريباً...
البرلمان
ولكن الأمرالغريب والملفت هو ما لاقاه هذا العمل من انتقادات وُجّهَتْ له جرّاء فكرة الاغتصاب التي كانت الفكرة الأساسية للمسلسل حيث طولِب بوقف بث المسلسل لأنهم اعتبروا مناقشة هذه الفكرة مهينة للمرأة والمجتمع التركي وكذلك مشاهد العنف الجسدي اعتبروها قاسية ومسيئة للذوق العام مع العلم ان المخرجة والعاملين والممثلين قاموا بدراسة المشاهد التي قيل عنها أنها عنيفة تدارسوها مع أطباء نفسيين فيزيولوجيين ليصلوا الى أفضل صورة تظهر للمشاهد وأعيد تصوير هذه المشاهد أكثر من 7 مرات لتأخذ المخرجة المشاهد الأقل ازعاجاً والمُرْضِية للجميع ورغم كل هذا الجهد المبذول واجهوا اعتراضات كثيرة لدرجة أنه ولأول مرة يُناقَش مسلسل في البرلمان التركي لأن أحد النواب ادّعى على المسلسل ولازالت القضية مستمرة حتى الآن وساندَتْ جمعية (جمعية المرأة التركية) – مورجاتي – ساندت بطلة المسلسل ضد هذه الانتقادات اللاذعة لدورها لفاطمة غول كما ان ثلاثة من أعضاء البرلمان الألماني ساندوا المسلسل من خلال رسالة لدعمه بعد ان قاموا بمتابعته في الوقت نفسه الذي لم يعتبر أي من الشعب التركي ان فكرة الحمل دون زواج أو فكرة المساكنة لم يعتبروها عيباً أو قضية تستأهل النقاش أو النقد أو الجدل أما عن البطلة بيرين سات فلقد أجابت عن كل هذا بقولها: (ان مثل هذه الحالات تحدث دائماً وبصورة مكررة في كل أنحاء العالم واني أتابع بعض الأعمال العربية وخصوصاً السورية بحكم قربها منّا ويحدث ذلك أيضاً في مسلسلاتهم..وعموماً ان كثرة الانتقادات تعني متابعة جيدة للمسلسل).
تعديل القانون
وبالاضافة لفكرة الاغتصاب حاول المسلسل لفت النظر لضرورة مناقشة القانون التركي الذي يعدونه بحاجة للتعديل في اطار قضية الاغتصاب تحديداً حيث يعفي القانون المغتصب من العقاب اذا تزوج ضحيته التي اغتصبها ولايجوز له ان يفترق عنها أو يطلقها قبل مضي سنة على زواجه منها والا سوف يُعاقَب بسجنه فيمكن بهذا ان يفلت المغتصب بفعلته كما حدث بحالة فاطمة.
يُعتبر هذا العمل من الأعمال الدرامية الممتازة التي تشد المتابع من أول حلقة منه...فبالاضافة لمحور المسلسل الاصلي وهي فاطمة غول وما يدور حولها من احداث نجد هناك قصصاً اضافية وجانبية للشخصيات المشاركة تترابط احداثها وتتداخل مع بعضها البعض بحبكة فنية متقنة وباخراج عالي المستوى للمخرجة المميزة (هلال سارال) تدعمه شركة انتاج تُعَدّ الشركة الاولى لانتاج المسلسلات المتميزة والناجحة (آي يابيم) التي أنتجَتْ «العشق الممنوع» و«الاوراق المتساقطة» و«ايزل» والجدير ذكره ان العامل الأكبر لموافقة المخرجة على هذا المسلسل هو ان بطلته هي بيرين سات وكذلك اسم الشركة الكبيروأما عن الأبطال فلم تُرَشّح أي بطلة للقيام بالدور سوى بيرين سات أي ان الدور فُصّلَ لها تحديداً وعلّق المنتج على ذلك بقوله: (ليس لأي ممثلة ان تقوم بهذا الدور الا بيرين) وتُعَد بيرين حالياً بطلة للدراما وسينما واعلانات بآن واحد فهي مع مسلسل فاطمة تقوم بتمثيل فيلم مع(مونيكا بيلوتشي) وكذلك تقدم اعلانا لاكاديمية طيران باسطنبول وبات نجم بيرين ساطعاً جداً بسماء الفن التركي...والحق يقال أنها تستاهل تلك المكانة التي حظيت بها بهذه الفترة القصيرة وهي لاتزال بمنتصف العشرينيات من عمرها اذ أثبتَتْ جدارتها واتقانها لكل دور أُسنِدَ لها أما عن البطل (آنجين آكيوريك)فلقد حصد شعبية كبيرة من خلال هذا المسلسل وكنا قد شاهدناه قبل ذلك في مسلسل «نارين» وقد رشحَتْه لدور (كريم) البطلة نفسها (بيرين سات)...عدا عن باقي الممثلين الذين تابعناهم بعدة أعمال سابقة كالمحامي (منير) لعب دور(بكار) بمسلسل (قصة شتاء) وبيريهان والدة سليم يشاران تابعناها بمسلسل (دقات قلب) و(رشاد يشاران) شاهدناه بـ (موسم المطر) و(وادي الذئاب).وعن الممثلين الذين نراهم أول مرة كـ (مقدس) التي قامت بدور مهم ومميز فاجأ المتابعين لها سواء من خلال أدائها أو قصتها التي تصدم المشاهدين بالاضافة للعديد العديد من الممثلين الذين أضفوا على المسلسل تنوعاً وتميزاً حيث حصد أعلى نسبة مشاهدة منذ ان عُرِضَتْ الحلقة 19 وهو يحتل المرتبة الأولى بين المسلسلات المعروضة وهو المسلسل الوحيد الذي استطاع ان يخطف المرتبة الاولى للمشاهدة من مسلسل (وادي الذئاب).
وتجدر الاشارة الى ان المسلسل هو اعادة لقصة الفيلم الذي أُنتِجَ عام 1986 وقامَتْ ببطولته الممثلة المشهورة جداً بتركيا في تلك الفترة (هوليا آفشار) التي أُعجِبَتْ أشد الاعجاب بأداء بيرين سات لنفس دورها: (ان بيرين أجادَتْ في بعض المشاهد أكثر من هوليا نفسها) هذا وان المسلسل سينتهي بجزئه الأول في الحلقة 40 ليعاود جزأه الثاني في سبتمبر بالانطلاق وحتى ذلك الحين سينتظره متابعوه بترقب وشوق...كما ينتظر ذلك المشاهد العربي ليتعرّف على هذا المسلسل الشيق..ومنذ خمسة وعشرين عاما وحتى الآن ما زال الناس يبحثون عن ذنب فاطمة في هذه القضية