الفيلم التركي "قورتلر واديسي/ عراق" أي "وادي الذئاب/ العراق" لاقى إعجابا منقطع النظير من المشاهدين الأتراك وجدلا كبيرا في الأوساط الغربية، لأنه يتناول قصة التخبط الأمريكي في العراق، ويكرس في الوقت ذاته الكراهية والعداء للأمريكان. تبدأ قصة الفيلم بحادثة واقعية مؤلمة عند الأتراك اشتهرت باسم "حادثة الشوال/ الكيس". تتلخص في قيام أفراد وحدة عسكرية أمريكية بزيارة مقر وحدة عسكرية تركية كانت ترابط في مدينة السليمانية بشمال العراق وذلك في 4 تموز سنة 2003. واعتقد منتسبو الوحدة التركية وهم أحد عشر عسكريا أن هذه الزيارة تدخل ضمن الزيارات الروتينية مع حلفائهم الأمريكيين، إلا أن الوضع في هذه المرة كان مختلفا. كان الأمريكيون ينفذون قرارا اتخذته حكومتهم يقضي بإنهاء أي وجود أجنبي دونهم في المنطقة ليكونوا هم دون غيرهم القوة الوحيدة التي تمتلك القول الفصل فيها، ورأوا انه ليس للأتراك أي مكان في المنطقة بعد اليوم فقاموا بإنهاء كل ما يمثل لهم من وجود في هذا اليوم بالذات ولكن بطريقة فظة دون أن يراعوا ابسط قواعد النظام العسكري، ووضعوا رأس كل واحد من الجنود الأتراك داخل شوال/ كيس وأمام أعين الناس واقتادوهم إلى خارج الحدود، الأمر الذي اعتبره الأتراك إهانة لشعورهم القومي وإساءة لشرفهم العسكري، وتولد عندهم رد فعل سلبي تجاه أمريكا، بل وأجج مشاعر العداء ضدها. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قدمت اعتذارا، إلا أن الجرح الذي أحدثه جنودها في كرامة الأتراك كان عميقا جدا بحيث لم يكن بمقدور أي اعتذار غير ملموس لملمته.
وإلى هذا الحد فإن كل شيء في الفيلم يعكس الحقائق التي جرت على ارض الواقع، ثم تنتقل قصة الفيلم إلى مزج هذه الحقائق مع الخيال بشكل يحاول الفلم الانتقام للكرامة التركية المهدورة أو بالأحرى لما جرى لأحد الجنود الأحد عشر وهو سليمان ارسلان. فهذا الجندي لم يتحمل ما تعرض له من إهانة على أيدي الجنود الأمريكان فانتحر تاركا رسالة لأحد أصدقائه وهو بولات علمدار بطل الفيلم. وكان بولات يعمل ضابطا في المخابرات التركية وسبق له أن شارك في عمليات سرية باسم الدولة في الخارج والداخل ولا يتردد في القيام بأي مهمة يكلف بها. ولم يمر وقت طويل حتى اخذ رجاله إلى جانبه وتوجه إلى شمال العراق ليواجه الموت هناك.
وعند وصولهم إلى شمال العراق يتفاجؤون بوضع مختلف في انتظارهم، كان همهم الوحيد ملاحقة الرجل الذي أهان كرامة جنودهم إلا انهم لم يصدقوا عيونهم عندما شاهدوا الواقع/ الحقيقة هناك بأم عينهم، فقيم الإنسان في العراق وشخصيته وماضيه مهدورة ولم يكن لها أي اعتبار. والنظام الجديد المزمع إقامته هناك كان يتم فرضه بالقوة على الناس. ويمارس أحد القادة الأمريكيين هناك ابشع أنواع الانتهاكات الإنسانية. هذا القائد المدعو سام وليام مارشال هو في نفس الوقت المسؤول الأول عن حادثة الكيس. ولا يتردد في القيام بأي عمل دون أي وازع فنراه يداهم حفل زفاف عربياً في المنطقة لتحقيق خطة رسمها ويقتل عشرات المدنيين المشاركين فيه، وتفقد العروس ليلى زوجها المستقبلي وتتغير حياتها وسلوكها وتحلف بأغلظ الايمان بأنها ستنتقم لزوجها، وفي تلك الليلة تقوم القوات الأمريكية باعتقال الكثير من الأهالي المعصومين بدون تهمة وتعتبرهم إرهابيين. في هذه الأثناء بالذات يحل الضابط التركي بولات ورفاقه في المدينة، ويوحّد القدر طريقي بولات وليلى في سبيل الهدف ذاته ويتعاهدان التضحية من اجله وهو الانتقام.
ويقوم بولات وليلى بملاحقة القائد الأمريكي دون هوادة وهنا تتوالى الأحداث التي يندى لها الجبين: تلقى قنبلة على مسجد في وقت يؤدي المصلون فيه صلاة العشاء، ومشاهد عديدة للقتل بدم بارد، ممارسات الجنود الأمريكيين في سجن أبو غريب. ولا يتوقف الأمر عند هذه الممارسات التي يقوم بها (الأشرار)، بل أن ما يقوم به الطبيب الأمريكي يعد من ابشع هذه الممارسات إذ يقوم باستئصال الأعضاء البشرية من سجناء عراقيين ليرسلها إلى مرضى في إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا. ويعالج الفيلم فضلا عن حادثة الكيس وحرب العراق قضية الشرق الأوسط ويوجه وبشكل ملفت للنظر انتقادات لاذعة للاحتلال الأمريكي للعراق بل ويكرس العداء لأمريكا.
رصد للفلم اضخم ميزانية في تاريخ السينما التركية، ويبدو أن القائمين على إنتاج الفيلم كانوا يتوقعون بأنه سيلاقي إقبالا كبيرا بعد عرضه وهذا ما تحقق بالفعل إذ وصل عدد الصالات التي عرضته في آن واحد إلى اكثر من 500 صالة. فحطم الفيلم بذلك رقما قياسيا في أول يومين عرض فيهما.
وسعى مخرج الفيلم إلى جعله فيلما عالميا يتجاوز حدود تركيا فأشرك فيه ممثلين من اكثر من دولة فتقاسم بطولته عدد من اشهر النجوم: نجاتي شاشماز من تركيا، بيللى زاين الممثل الأمريكي الذي اشتهر في تايتنيك وغاري بوسى الذي رشح للأوسكار مرتين والممثل السوري غسان مسعود الذي مثل دور صلاح الدين الأيوبي في فيلم "مملكة الجنة" أما المخرج فهو سردار فقار الحائز على جائزة التحكيم الخاصة في مهرجان كان . صُوّرت مشاهد الفيلم في محافظة غازي عينتاب التركية، واكمل منه في 42 يوماً، ويعد أول فيلم تركي تستخدم فيه ست كاميرات كحد أقصى، كما صور فيه ولأول مرة مشهد حي لتفجير انتحاري نفسه، واستخدمت فيه أربع لغات مختلفة: التركية والعربية والإنكليزية والكردية.
وخلال عرض الفيلم تشهد دور العرض مواقف كوميدية، فعند عرض مشاهد القتل تضج الصالات بالصياح والهرج والمرج فبعضهم ينهض ويطلق شعارات معادية لأمريكا وبعضهم يقوم باحتضان الجالس إلى جنبه ويقبله دون أن يعرفه، أما عند مشاهدة المشاهد التي تتناول انتهاكات الجنود الأمريكيين فان المشاهدين يصيحون بأعلى الأصوات "يوه " تعبيرا عن استهجانهم وشجبهم لذلك.
وفي المشهد الذي يخاطب البطل بولات الضابط الأمريكي وبيده الكيس ويقول له: "هيا ضع رأسك في هذا الكيس"، يفقد المشاهدون أنفسهم، فليس غريبا أن يصرخ أحدهم قائلا: "ألان جاء دوركم، ستضع رأسك فيه بالتأكيد" وعلق أحد المراقبين عندما شاهد الفيلم : أن هذا الفيلم الذي يحفل بقصص إنسانية مؤلمة لا يمكن نسيانه..
وفي الوقت الذي يتهافت الأتراك لمشاهدة هذا الفيلم ويمتلئون حقدا على الممارسات اللاأخلاقية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل من تعتبر نفسها راعية لحقوق الإنسان في العالم، فليس من المستغرب أن يثير هذا الفيلم غضب من أُستهدف فيه وهذا ما حدث فعلا حتى طالب بعض المؤسسات الغربية إلى منع عرضه.